🔹(رَبِّ الْعَالَمِينَ)
فمن ذلك قوله تعالى في سورة " الفاتحة ": (رَبِّ الْعَالَمِينَ) قُرِىء بخَفض الباء ونصبها ورفعها: فأمّا قراءة الخَفض فقرأ بها السبعة، ووجهها ظاهر: وهو إما يكون نعتاً للجلالة أو بدلاً.وأمّا قراءة النصب فقرأ بها زيدُ بن على وطائفة، وفي توجيه هذه القراءة تفصيل:
وهو أن يقال: لا يخلو الذي قرأ بنصب (رَبِّ) أن ينصب (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وقد قُرىء بذلك، أو يجرّهما. فإن كان قرأ بنصبهما فلا إشكال؛ لأنه نصبَ الجميعَ على القطع، أي: أعني ربَّ العالمين الرحمنَ الرحيمَ.
وإن كان قرأ بجرّهما ففيه إشكالٌ من جهة أنّهم قالوا: لا يجوزُ في الصفات الإتباعُ بعد القطع؛ لأنه يلزمُ منه الرجوعُ بعد الانصراف. وقد قال الشاعر:
إذا انصرفَتْ نفسي عن الشيء لم تَكَدْ. . . إليه بوجهٍ آخرَ الدهرِ تَرْجِعُ
وهذه القراءة يلزم منها الإتباع بعد القطع، لأنّه قَطَعَ (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ؛ عن الإتباع، ثم أتبع (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . وتوجيه هذه القراءة ولا يلزم منه الإتباع بعد القطع: أن يكون (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بدلاً لا نعتاً، لا سيّما على مذهب "الأعلم" الذي يرى أنّ (الرحمن) لا يكون صفة. ومنهم: من نصب (رَبِّ الْعَالَمِينَ) على النداء وهو ضعيف. ومنهم: من نصبه بفعل على أنه توهّم أنّ مكان (الحمد لله) : نَحْمَدُ الله ربَّ العالمين، فأجراه على ما يَصلُحُ في المَوضع، وهو ضعيف جدّاً " لأنّ مراعاةَ التَّوَهُمِ لا تجوز إلا في العطف، نحو قولك: ليس زيد بقائم ولا قاعداً، بنصب " قاعد" على توهّم حذف الباء. قال الشاعر:
مُعاوِيَ، إنّنا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ. . . فَلَسْنا بالجبالِ ولا الحديدا
فعطف " ولا الحديد " على توهّم حذف الباء من " الجبال "، أي: فلسنا جبالاً ولا حديداً. هذا كلّه على من يمنعُ الإتباعَ بعد القطع، وهو الكثير. وأما من جوّزه فلا إشكال في ذلك.
وأما قراءة الرفع فذكرها أبو البقاء في " إعرابه " ولم يُسْنِدْها، وفي وجه هذه القراءة تفصيل أيضاً: وهو أن يقال: لا يخلو الذي يقرأ بالرفع أن يرفعَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وقد قرىء بذلك، أو يجرّهما، فإن كان قرأ برفعهما فلا إشكال، لأنّه رفع الجميع على القطع، أي: هو ربُّ العالمين الرحمنُ الرحيمُ. وإن كان قرأ بجرّهما ففيه إشكال من جهة الإتباع بعد القطع، ووجه ذلك أن يكون (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بدلاً كما تقدّم.
تتميم: " الربّ " مصدر في الأصل، من قولك: رَبَّ يرُبُّ ربّاً: إذا أصلح، ثم وصف به كعَدل ورِضاً، فوزنه على هذا " فَعْل "، وقيل: هو اسم فاعل وأصله راب، وحذفت ألفه كما قالوا: رجل بارّ وبَرّ، فوزنه على هذا " فاعل ". والربّ في اللغة: السَّيَد، والمالك، والمعبود، والثابت، والمُصلح. والخالق، وزاد بعضهم: الصاحب، واستدلّ على ذلك بقوله: فدنا له ربُّ الكلابِ، بكَفه. . . بِيض رِهادفٌ، ريشُهن مُقَزَّع ولا دليل في البيت. وكلّها تصلح في الآية إلاّ الثابت والصاحب، وفي السيّد خلاف.
و (الْعَالَمِينَ) فيه شذوذ من وجهين: أحدهما: أنّه اسم جَمع كالأنام، وأسماء الجموع لا تجمع. الثاني: أنّه جُمع بالواو والنون، ولم يَستوفِ الشروط. قال شيخ الجماعة أبو حيَّان: والذي أختاره: أنْ يُطْلَقَ على المُكَلَّفين. لقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالَمِينَ) . وقراءة حَفص (للعالِمين) بكسر اللام توضّحه، ولم يقرأ حفص بكسر اللام في (العالِمين) إلاّ في " الروم ".
روابط ذات صلة