مَنْ قصر نومه طال ليله

مَنْ قصر نومه طال ليله

قال عبيد الراعي:

كأنَّ بلادهنَّ سماءُ ليلٍ … تكشَّفُ عن كواكبها الغيومُ
مللتُ بها الثَّواءَ وأرقتْني … همومٌ ما تنامُ ولا تُنيمُ
أبيتُ بها أُراعي كلّ نجمٍ … وشرُّ رعايةِ العينِ النُّجومُ

مَنْ قصر نومه طال ليله

وقال سويد بن أبي كاهل:

وأبيتُ اللَّيلَ ما أرقدهُ … وبعينيَّ إذا النَّجمُ طلعْ
فإذا ما قلتُ ليلِي قدْ مضَى … عطفَ الأوَّلُ منهُ فرجعْ
يسحبُ اللَّيلُ نجوماً ظلَّعاً … فتُواليها بطيئاتُ التَّبعْ

وقال جرير:

أتَى دونَ هذا اليومِ همٌّ فاسهَرَا … أُراعي نجوماً تالياتٍ وغُوَّرا
أقولُ لها مِنْ أجلهِ ليسَ طولُها … كطولِ اللَّيالي ليتَ صُبحكِ نوَّرا

وقال أبو تمام:

أفنَى وليلي ليسَ يفنَى آخرهْ … هاتَا مواردهُ فأينَ مصادرهْ
نامتْ عيونُ الشَّامتينَ تيقُّناً … أنْ ليسَ يهجعُ والهمومُ تسامرهْ
لا شيءَ ضائرُ عاشقٍ فإذا نأَى … عنهُ الحبيبُ فكلُّ شيءٍ ضائرهْ

وقال كثيّر:

ولِي منكِ أيَّامٌ إذا تشحطُ النَّوى … طوالٌ وليلاتٌ تزولُ نجومُها
إذا سمتُ نفسِي هجرَها واجتنابَها … رأتْ غمراتِ الموتِ فيما أسومُها

وذكروا عن علي بن الجهم:

هلْ زِيدَ في اللَّيلِ ليلُ … أمْ سالَ بالصُّبحِ سيلُ
ذكرتُ أهلَ دُجيلٍ … وأينَ منِّي دُجيلُ

ثم مات من ليلته.

وقال البحتري:

مغانِي سُليمى بالعقيقِ ودونَها … أجدَّ الشَّجى إخلاقُها ودثورُها
وألحقَني بالشَّيبِ في عقرِ دارهِ … مناقلُ في عرضِ الشَّبابِ أسيرُها
مضتْ في سوادِ الرَّأسِ أُولى بطالَتي … فدعْني يُصاحبْ وخْطَ رأسي أخيرُها
وأطريتَ لي بغدادَ إطراءَ مادحٍ … وهذي لياليها فكيفَ شهورُها

أُنبِّيكَ عنْ عيني وطولِ سهادِها … ووحدةِ نفسِي بالأسَى وانفرادِها
وأنَّ الهمومَ اعتدنَ بعدكِ مضجَعي … وأنتِ الَّتي وكَّلْتني باعتيادِها
خليليَّ إنِّي ذاكرٌ عهدَ خلَّةٍ … تولَّتْ ولمْ أذممْ حميدَ ودادِها
فواعجَبا ما كانَ أقصرَ دهرَها … لديَّ وأدنَى قربَها مِنْ بعادِها
وكنتُ أرَى أنَّ الرَّدى قبلَ بينِها … وأنَّ افتقادَ العيشِ قبلَ افتقادِها
بنفسيَ مَنْ عاديتُ مِنْ أجلِ فقدهِ … بلادِي ولولا فقدهُ لمْ أُعادِها

وقال أبو تمام أيضاً:

رأيتُ في النَّومِ أنَّ الصُّلحَ قدْ فسدَا … وأنَّ مولايَ بعدَ القربِ قدْ بعُدا
لِمْ لَمْ أمتْ جزعاً لِم لَم أمتْ أسفاً … لِم لَم أمت حزناً لِم لَم أمتْ كمدَا
قدْ كدتُ أحلفُ لولا أنَّه سرَفٌ … أنْ لا أذوقَ رُقاداً بعدهُ أبدا

فهذا قد زادنا رتبة على ما عنى، لأنه لم يدع النوم شوقاً إلى من يهواه، ثم رأى في النوم ما قد وصف، وهو يزعم أن تركه إيّاه مع ذلك سرف. ولو قال:

قد كدتُ أحلف لولا الطيف مجتهداً … ألا أذوق رُقاداً بعدهُ أبداً

لكان أعذر، وإن دخل في ذلك بعض الاختلال: فقد نام أولاً حتى رأى، ولم يتهيأ له ترك النوم إلا بيمين، ومع ذلك لم يحلف، وإنما أرجف باليمين.

وقال أيضاً:

لا نِمتَ عيناً ولا لُقِّيتَ عافيةً … وكانَ حظُّكَ بعدَ اللَّيلةِ الأرَقا
أنمتَ لا نمتَ في خيرٍ ولا دعَةٍ … حتَّى أتَى أجلُ الميعادِ فانطلَقا

قال البحتري:

أُنظرْ إلى ناظرٍ قدْ شفَّهُ السّهدُ … واعطفْ علَى مهجةٍ أودَى بها الكمدُ
لا ذُقتَ ما ذاقهُ مَنْ أنتَ مالكهُ … ولا وجدتَ بهِ مثلَ الَّذي يجدُ
أخفَى هواكَ فنمَّتهُ مدامعهُ … والعينُ تعربُ عمَّا ضمَّتِ الكبدُ
فإنْ جحدتَ الَّذي قاساهُ بينهُما … فشاهداهُ عليكَ الخدُّ والجسدُ

وأنشدني محمد بن الخطاب الكلابي لنفسه:

أرقتُ وحالفتْ لِينَ الوِسادِ … ولمْ يسعدْ ولُذَّتْ بالمهادِ
و باتتْ والسُّرورُ لها ضجيعٌ … يجنَّبها مجانبةُ الرُّقادِ
و بتُّ ومرهفاتُ الشَّوقِ تفرِي … بها عنقَ الكرَى يدُ السُّهَادِ
فكمْ تروِي بأدمعِنا خدوداً … لنا جرحَى وأنفسُنا صوادِ

وقال آخر:

تطاولَ أيَّامي ولَلَّيلُ أطولُ … ولامَ علَى حبِّي أُميمةَ عُذَّلُ
يلومونَ صبّاً أضرعَ الحبُّ جسمهُ … وما ضرَّهمْ لوْ لمْ يلوموا وأجملوا

وقال آخر:

قدْ كانَ يكفيكَ ما بالحسمِ مِنْ سقمٍ … لِمْ زِدْتني سهراً لا مسَّكَ السَّهرُ
عينٌ مُؤرَّقةٌ والجسمُ مختبلٌ … والقلبُ بينهما تخلُو بهِ الفكرُ
يا حارِمِي لذَّةَ الدُّنيا وبهجتَها … قد كانَ يُقنعني مِنْ وجهكَ النَّظرُ

ولبعض أهل هذا العصر:

يا مانعاً مُقلتي مِنْ لذَّةِ الوسنِ … رُوحي تَقيكَ منَ الأسواءِ والحزنِ
واللهِ لا سكنتْ روحي إلى سكنٍ … إلَاّ إليكَ ولا حنَّتْ إلى وطنِ
ولنْ أقولَ ولوْ أضنَى الهوَى كبدِي … ردّاً لقولكَ لي قدْ خنتَ لم أخُنِ
هبْني غريباً أُلامُ اليومَ فيكَ ألمْ … أكنْ حقيقاً بأنْ أُعدَى علَى الزَّمنِ
فلا تدعْ رعيَ ما قد كنتَ تعلمهُ … منِّي يقيناً وتهجرْني علَى الظِّننِ
فلمْ تزلْ مذْ عرفتُ الحبَّ في كبدِي … أحبَّ واللهِ مِنْ روحي إلى بدنِي

روابط ذات صلة

إرسال تعليق