من مُنع من البراح تشوَّق بالرِّياح
كلُّ متشوَّقٍ من العشَّاق بنسيم ريحٍ أوْ لمعان برقٍ أوْ سجع حمامٍ فهو ناقصٌ عن حال التَّمام من جهتين إحداهما قلَّة صبره على فقد صاحبه حتَّى يحتاج أن يرى ما يشوقه بذكره والأخرى أنَّ من كانت هذه صفته فإنَّ الصَّبابة لم تتمالك على قلبه فتشغله عن أن يتشوَّق بشيءٍ يلمُّ به غير أنَّ الشَّوق بما ذكرناه إنَّما يقصِّر بأهله عن درجة الكمال وليس بمدخلٍ لهم في جملة الموصوفين بالنَّقص والإخلال ومن مختار ما قيل في الشَّوق بالرِّياح.
![]() |
| من مُنع من البراح تشوَّق بالرِّياح |
هوًى تذرفُ العينانِ منهُ وإنَّما … هوى كلِّ نفسٍ حيثُ حلَّ حبيبُها
وقال آخر:
وقدْ عاودتْنا الرِّيحُ منها بنفحةٍ … علَى كبدٍ من طيبِ أرواحها بردُعِديني بنفسي أنتِ وعداً فربَّما … جلا كربةَ المكروبِ عن قلبه الوعْدُ
فقدْ بتُّ لا قومٌ ولا كبليَّتي … ولا مثلُ وجدي في الشِّفا بكمُ وجدُ
وقال مجنون بني عامر:
أيا جبليْ نعمانَ باللهِ خلِّيا … طريقَ الصَّبا يخلصْ إليَّ نسيمُهاأجدْ بردَها أوْ تشفِ منِّي حرارةً … علَى كبدٍ لمْ يبقَ إلَاّ صميمُها
فإنَّ الصَّبا ريحٌ إذا ما تنسَّمتْ … علَى نفسِ مغمومٍ تجلَّتْ غيومُها
وقال ابن الدمينة:
وقدْ جعلتْ ريَّا الجنوبِ إذا جرتْ … علَى ضعفِها تبدَا لنا وتطيبُجنوبٌ بريَّا مِنْ أُميمةَ تغتدِي … حجازيَّةً عُلويةً وتؤوبُ
وقالت وجيهة بنت أوس الضبية::
فلو أنَّ ريحاً بلَّغتْ وحْيَ مُرسل … حفِيِّ لناجيتُ الجنوبَ علَى النَّقبِفقلتُ لها أدِّي إليهمْ تحيَّتي … ولا تخلطيها طالَ سعدكِ بالتُّربِ
فإنِّي إذا هبَّتْ شمالٌ سألتُها … هلِ ازدادَ صدَّاحُ النُّميرةِ مِنْ قربِ
وقال يزيد بن الطثرية:
إذا ما الرِّيحُ نحوَ الأثلِ هبَّتْ … وجدتُ الرِّيحَ طيِّبةً جنوبافماذا يمنعُ الأرواحَ تسرِي … بريَّا أُمِّ عمرو أنْ تطيبا
أليستْ أُعطيتْ في حسنِ خلقٍ … كما شاءتْ وجُنِّبتِ العيوبا
وقال آخر:
خليليَّ مِنْ سكانَ مُرَّانَ هاجَني … سكونُ الجنوبِ مرَّةً وابتسامُهافإنْ تسأَلاني ما دوائِي فإنَّني … بمنزلةٍ أعيَى الطَّبيبَ سقامُها
وقال آخر:
هوَى صاحِبي ريحُ الشَّمالِ إذا جرتْ … وأهوَى لنفسي أنْ تهبَّ جنوبُ وما ذاكَ إلَاّ أنَّها حينَ تنتهي … تناهَى وفيها مِنْ أُميمةَ طيبُ
فويلِي منَ العذَّالِ ما يترُكونني … بغمِّي أمَا في العاذلينَ لبيبُ
يقولُونَ لو عزَّيتَ قلبكَ لارْعَوى … فقلتُ وهلْ للعاشقينَ قلوبُ
وقال صخر الحرمازي:
إذا الرِّيحُ مِنْ نحوِ الحبيبِ تنسَّمتْ … وجدتُ لريَّاها علَى كبدِي بردَاعلَى كبدٍ قدْ كادَ يُبدي بها الجوى … صدوعاً وبعضُ القومِ يحسبُني جلدا
وقال آخر:
تمرُّ الصَّبا بساكنِ ذي الغضا … فيصدعُ قلبي أنْ يهبَّ هبوبُهاقريبةُ عهدٍ بالحبيبِ وإنَّما … هوَى كلِّ نفسٍ حيثُ كانَ حبيبُها
وقال آخر:
وقال آخر: إذا هبَّ علويُّ الرِّياحِ وجدتَني … يهشُّ لعلويِّ الرِّياحِ فؤاديا
فإنْ هبَّتِ الرِّيحُ الصَّبا هيَّجتْ لنا … دواعيَ حزنٍ لم يجدنَ مُداويا
وما هبَّتِ الرِّيحُ الصَّحيحةُ موهناً … منَ اللَّيلِ إلَاّ بتُّ للرِّيحِ ضاويا
وإلَاّ علتْني عبرةٌ ثمَّ زفرةٌ … وإلَاّ تداعى القلبُ منِّي تداعيا
