في نوحِ الحَمامِ أُنسٌ للمنفردِ المُستهامِ

 


في نوحِ الحَمامِ أُنسٌ للمنفردِ المُستهامِ
نوح الحمام


قال شاعر:
يهيجُ عليَّ الشَّوقَ نوْحُ حمامةٍ … دعتْ شجوها في إثر إلفٍ تشوُّقا
دعتْ فبكتْ عينا محبٍّ لصوتِها … وفاضَ لها ماءُ الهوَى فترقرقا
يلذُّ بها الرَّائي جناحاً مولَّجاً … ومتْناً سماويّاً من اللَّونِ أزرقا
خفضتُ إليها القلبَ حتَّى تشرَّبتْ … حلاوتَها أحشاؤهُ فتشوَّقا
أقولُ لها نوحي أُعنْكِ ولم أكنْ … لأُسعدَ بالأمسِ الحمامَ المطوَّقا
وقال آخر:
                    مطوَّقةٌ لا تفتحُ الفمَ بالَّذي … تقولُ وقدْ هاجتْ ليَ الشَّوقَ أجمَعا
تُؤلِّفُ أحزاناً تفرَّقنَ بالهوَى … إذا وافقتْ شعبَ الفؤادِ تصدَّعا
دعتْ ساقَ حرٍّ بالمراويحِ وانتحتْ … لها الرِّيحُ في وادٍ فراخٌ فأسرَعَا
وحقَّ لمصبوبِ الحشَا بيدِ الهوَى … إذا حنَّ باكٍ أن يحنَّ ويجزَعا
وقال يزيد بن الطثرية:
وأسلمَني الباكونَ إلَاّ حمامةً … مطوَّقةً قدْ صانعتْ ما أُصانعُ
إذا نحنُ أنفدْنا الدُّموعَ عشيَّةً … فموعدُنا قرنٌ منَ الشَّمسِ طالعُ
وقال آخر:
دعاني الهوَى والشَّوقُ لمَّا ترنَّمتْ … علَى الأيكِ من بينِ الغصونِ طروبُ
تُجاوبها وُرقُ يُرعْنَ لصوتها … وكلٌّ لكلٍّ مسعدٍ ومُجيبُ
ألا يا حمامَ الأيكِ ما لك باكياً … أفارقتَ إلفاً أمْ جفاكَ حبيبُ
وقال آخر:
يا طائرينَ علَى غُصنٍ أنا لكُما … مِنْ أنصحِ النَّاسِ لا أبغِي بهِ ثمنَا
كونا إذا طرتُما زوجاً إخالكُما … لا تأمنانِ إذا أُفردتُما حزَنا
هذا أنا لا علَى غيري أدلُّكما … لاقيتُ جهداً بتركي الإلفَ والوطنا
وقال آخر:
ألا يا حماماتِ اللِّوَى عُدنَ عودةً … فإنِّي إلى أصواتكنَّ حزينُ
فعُدنَ فلمَّا عدنَ كدنَ يُمتنَنِي … وكدتُ بأسرارِي لهنَّ أُبينُ
ولمْ ترَ عيني قبلهنَّ حمائماً … بَكينَ ولمْ تدمعْ لهنَّ عيونُ
وهذه حال ناقصة منها في المحبَّة من ليست له حال تبة جحدر الفقعسي حيث يقول:
وكنتُ قدِ اندملتُ فهاجَ شوقِي … بُكاءَ حمامتينِ تَجاوبانِ
تَجاوبَتَا بلحنٍ أعجميٍّ … علَى غُصنينِ مِنْ غرَبٍ وبانِ
وقال شقيق بن سليك الأسدي:
ولمْ أبكِ حتَّى هيَّجتْني حمامةٌ … بعَبْنِ الحمامِ الوُرقِ فاستخرجتُ وجدِي
فقد هيَّجتْ منِّي حمامةُ أيكةٍ … منَ الوجدِ شوقاً كنتُ أكتمهُ جُهدِي
تُنادِي هُذيلاً فوقَ أخضرَ ناعمٍ … غذاهُ ربيعٌ باكرٌ في ثرًى جعدِ
فقلتُ تعالَيْ نبكِ مِنْ ذكرِ ما خَلا … ونذكرُ منهُ ما نُسرُّ وما نُبدِي
فإنْ تُسعدِيني نبكِ عبرتَنا معاً … وإلَاّ فإنَّي سوفَ أسفحُها وحدِي
ذكروا أنَّ مجنون بني عامر رقد ليلةً تحت شجرةٍ فانتبه بتغريد طائرٍ فأنشأ:
لقدْ هتفتْ في جنحِ ليلٍ حمامةٌ … علَى فننٍ تدعُو وإنِّي لنائمُ
فقلتُ اعتذاراً عندَ ذاكَ وإنَّني … لنفسِي فيما قدْ رأيتُ للائمُ
أأزعمُ أنِّي عاشقٌ ذو صبابةٍ … بليلَى ولا أبكِي وتبكِي الحمائمُ
كذبتُ وبيتِ اللهِ لوْ كنتُ عاشقاً … لمَا سبقَني بالبكاءِ الحمائمُ

إرسال تعليق