مجنون دير هرقل

 

مجنون دير هرقل
قال أحدهم: مررت بدير هرقل أنا وصديق لي، فقال لي: هل لك أن تدخل فترى من فيه من ملاح المجانين؟ قلت: ذاك إليك. فدخلنا فإذا بشاب حسن الوجه، مرجل الشعر، مكحول العين، أزج الحواجب، كأن شعر أجفانه قوادم النسور، وعليه طلاوة تعلوها حلاوة، مشدود بسلسلة إلى جدار، فلما بصر بنا قال: مرحباً بالوفد، قرب الله ما نأى منكما، بأبي أنتما. قلنا: وأنت، فأمتع الله الخاصة والعامة بقربك، وآنس جماعة ذوي المروءة بشخصك، وجعلنا وسائر من يحبك فداءك. فقال: أحسن الله عن جميل القول جزاءكما، وتولى عني مكافأتكما. قلنا: وما تصنع في هذا المكان الذي أنت لغيره أهل؟ فقال:
مجنون دير هرقا

اللهُ يعلمُ أنّني كَمِدُ، … لا أستطيعُ أبثُّ ما أجِد
 نَفسانِ لي: نفسٌ تضَمّنَها … بَلَدٌ، وأُخرَى حازَها بَلَدُ
أمّا المُقيمةُ ليس ينفعُها … صَبرٌ، وليس بقربها جلَدُ
 وأظنّ غائبَتي كشاهِدَتي، … بِمكانِها تجِدُ الذي أجِدُ.

ثم التفت إلينا فقال: أحسنت؟ قلنا: نعم!، ثم ولينا فقال: بأبي أنتم ما أسرع مللكم، بالله أعيروني أفهامكم وأذهانكم. قلنا: هات! فقال:
لمّا أناخوا، قُبَيْل الصُّبْحِ، عيسَهُمُ، … وَرَحّلوها، فسارت بالهوى الإبلُ.
وَقَلّبتْ، من خِلالِ السِّجفِ، ناظرَها، … ترْنو إليّ وَدَمعُ العينِ مُنْهمِلُ.
فَوَدّعَتْ بِبَنان عَقدُها عَنَمٌ، … نادَيتُ لا حَمَلَتْ رِجلاكَ يا جَمَلُ.
ويلي مِن البَينِ! ماذا حلّ بي وبِها؟ … يا نازِحَ الدّارِ حلّ البينُ وارْتحلوا.
يا رَاحِلَ العِيسِ عَرّجْ كيْ أُوَدّعَها، … يا رَاحلَ العِيس في تَرْحالكَ الأجَلُ.
إنّي على العَهدِ لم أنقض موَدَتكم، … فليتَ شعري، وطالَ العهدُ، ما فعلوا؟

إرسال تعليق