‌‌في نوحِ الحَمامِ أُنسٌ للمنفردِ المُستهامِ

‌‌في نوحِ الحَمامِ أُنسٌ للمنفردِ المُستهامِ
نوح الحمام


قال ناقد بن عطارد العبشمي:
ويثني الشَّوقَ حينَ أقولُ يخبو … بكاءُ حمامةٍ فيلجُّ حينا
مطوَّقةُ الجناحِ إذا استقلَّتْ … علَى فننٍ سمعتُ لها رنينا
يميلُ بها ويرفعُها مراراً … ويسعفُ صوتها قلباً حزينا
كأنَّ بنحرها والجيدِ منها … إذا ما أُمكنتْ للنَّاظرينا
مخطّاً كان من قلمٍ لطيفٍ … فخطَّ بجيدها والنَّحرِ نوتا

قال ابن الدمينة:
ألا يا صَبا نجدٍ متى هجتِ من نجدِ … لقد زادني مسراكِ وجداً علَى جدِ
أإنْ هتفتْ ورقاءُ في رونقِ الضُّحى … علَى غصنٍ غضِّ النَّباتِ منَ الرَّندِ
بكيتَ كما يبكي الوليدُ ولم يكنْ … جليداً وأبديتَ الَّذي كنتَ لا تُبدي
قال أحدهم: 
دعاني الهوَى والشَّوقُ لمَّا ترنَّمتْ … علَى الأيكِ من بينِ الغصونِ طروبُ
تُجاوبها وُرقُ يُرعْنَ لصوتها … وكلٌّ لكلٍّ مسعدٍ ومُجيبُ
ألا يا حمامَ الأيكِ ما لك باكياً … أفارقتَ إلفاً أمْ جفاكَ حبيبُ
وقال آخر:
وليسَ المعنَّى بالَّذي لا يهجنهُ … إلى الشَّوقِ إلَاّ الهاتفاتُ السَّواجعُ
ولا بالَّذي إنْ صدَّ يومَّ خليلهُ … يقولُ ويُبدي الصَّبرَ إنِّي لجازعُ
ولكنَّهُ سقمُ الجوَى ومطالهُ … وموتُ الجفا ثمَّ الشُّؤونُ الدَّوامعُ
رشَاشاً وتَهتاناً ووبلاً وديمةً … كذلك تُبدي ما تجنُّ الأضالعُ
قال بعض الأعراب:
ألا قاتل الله الحماماتِ غُدوةً … علَى الفرعِ ماذا هيَّجتْ حينَ غنَّتِ
تغنَّتْ غناءً أعجميّاً فهيَّجتْ … هوايَ الَّذي كانت ضلوعي أجنَّتِ
نظرتُ بصحراءِ البريدَيْنِ نظرةً … حجازيَّةً لو جُنَّ طرفٌ لجنَّتِ
ولو هملتْ عينٌ دماً من صبابةٍ … إذاً هملتْ عيني دماً وأهمَّتِ

ذكروا أنَّ مجنون بني عامر رقد ليلةً تحت شجرةٍ فانتبه بتغريد طائرٍ فأنشأ:
لقدْ هتفتْ في جنحِ ليلٍ حمامةٌ … علَى فننٍ تدعُو وإنِّي لنائمُ
فقلتُ اعتذاراً عندَ ذاكَ وإنَّني … لنفسِي فيما قدْ رأيتُ للائمُ
أأزعمُ أنِّي عاشقٌ ذو صبابةٍ … بليلَى ولا أبكِي وتبكِي الحمائمُ
كذبتُ وبيتِ اللهِ لوْ كنتُ عاشقاً … لمَا سبقَني بالبكاءِ الحمائمُ
وقال شقيق بن سليك الأسدي:
ولمْ أبكِ حتَّى هيَّجتْني حمامةٌ … بعَبْنِ الحمامِ الوُرقِ فاستخرجتُ وجدِي
فقد هيَّجتْ منِّي حمامةُ أيكةٍ … منَ الوجدِ شوقاً كنتُ أكتمهُ جُهدِي
تُنادِي هُذيلاً فوقَ أخضرَ ناعمٍ … غذاهُ ربيعٌ باكرٌ في ثرًى جعدِ
فقلتُ تعالَيْ نبكِ مِنْ ذكرِ ما خَلا … ونذكرُ منهُ ما نُسرُّ وما نُبدِي
فإنْ تُسعدِيني نبكِ عبرتَنا معاً … وإلَاّ فإنَّي سوفَ أسفحُها وحدِي

إرسال تعليق