جماليات اللغة من كتاب المزهر
قال السيوطي رحمه الله في كتابه المزهر: "اعلمْ أنَّ من أعظم محاسن العربية أنها أفصح اللغات، وأوسعها، وأكثرها ألفاظًا، وأعدلها قياسًا، وأغزرها مادةً، وأحكمها صنعًا، وأشدها اقتدارًا على تأدية المعاني الدقيقة، والتفنن في الأساليب البيانية."
ومن دلائل ذلك: كثرة المترادفات، وتنوع الصيغ، وغزارة الاشتقاق، وسعة المجاز، وقوة البيان. فلا تكاد تجد معنى إلا وله في العربية عدة تعبيرات تدور حوله بدقة متناهية، وتختلف حسب المقام والسياق.
وذكر السيوطي أمثلة لذلك فقال: "فمن عجيب ما في اللغة العربية أنك ترى فيها لليد مثلاً عشرات الأسماء، ولكل عضو من أعضائها اسم، ولكل حال من أحوالها لفظ، ولكل حركة تعبير، فترى الحروف كأنها أنفاس البيان، تتشكل على قدر الحاجة وتزدان على حسب المقام."
ثم قال: "وهذا مما يدل على أن هذه اللغة إنما وضعت بوضع حكيم، وتناقلها الفصحاء جيلاً بعد جيل، فأخلصوها من شوائب اللحن، وصقلوها بمعدن البلاغة."
![]() |
| جماليات اللغة |
المصدر: المزهر في علوم اللغة وأنواعها – السيوطي
سعة الألفاظ ودقة التعبير
قال السيوطي: "ومن عجيب أمر هذه اللغة أن الرجل من العرب إذا أراد أن يصف شيئًا، كالجَمال أو الحُسن أو الشجاعة، لم يحتج إلا إلى اللفظ الواحد ليعبر به عن درجات متعددة من المعنى، ولكل درجة كلمة مخصوصة تؤدي معناها بدقة لا يُجارى فيها."
ثم قال: "فألفاظهم لا تأتي عبثًا، بل لكل لفظ موضع، ولكل تركيب مقام، فلا تجد في لغتهم ترادفًا تامًّا، بل تغايرًا دقيقًا في المعاني، وهذا من أسرار إعجازها."
واستشهد بكلام العلماء فقال: "وقد قال أهل اللغة: إنك لا تكاد تجد في العربية كلمتين مترادفتين تمامًا، بل بينهما فرقٌ في المعنى أو في الاستعمال، وهذا ما يجعل اللغة العربية أداةً دقيقة للفكر والتعبير."
ثم أضاف: "ومن تأمل القرآن الكريم وجد هذا ظاهرًا، فإنك لا تجد فيه تكرارًا لفظيًّا لا فائدة منه، بل كل كلمة موضوعة في موضعها بحكمة وإعجاز."
