الباب الثاني: في وصف الغرائز والملكات وما يأخذ مأخذها ويضاف إليها
فَصْلٌ في كَرَمِ الأَخْلاقِ وَلُؤْمِهَاِ
يُقَالُ: فُلان كَرِيم الْخَلِيقَة، شَرِيف الْمَلَكَةِ، سَرِيّ الأَخْلاق، نَبِيل النَّفْسِ، حُرّ الْخِلال، مَحْمُود الشَّمَائِل، أَرْيَحِيّ الطِّبَاع، كَريم الْمَخْبَر، كَرِيم الْمَحْسِر، صَدْق الْمَعْجَم، مَحْمُود الْمَكْسِر، حُرّ الطِّينَةِ، مَحْض الضَّرِيبَةِ، جَزْل الْمُرُوءة، شَرِيف الْمَسَاعِي، أَغَرّ الْمَكَارِم. وَإِنَّهُ لَمِمَّنْ تُتَوَسَّمُ فِيهِ مَخَايِل الْكَرَم، وَيُقْرَأُ فِي أَسِرَّتِهِ عُنْوَان الْكَرَمِ، وَيَجُولُ فِي غُرَّتِهِ مَاء الْكَرَمِ، وَيَقْطَرُ مِنْ شَمَائِلِهِ مَاءُ الْكَرَمِ، وَيَفُوحُ مِنْ خَلائِقِهِ عَرْفُ الْكَرَم، وَإِنَّهُ لَيَنْطِق الْكَرَمُ مِنْ مَحَاسِن خِلالَهُ، وَيَتَمَثَّلُ الْكَرَمُ فِي مَنْطِقِهِ وَأَفْعَاله.
وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ فُلانَاً مِنْ طِينَة الْكَرَم، وَصَاغَهُ مِنْ مَعْدِن الْعِتْق، وَأَنْبَتَهُ مِنْ أَرُومَة الْحَرِيَّة، وَجَمَعَ فِيهِ خِلالَ الْفُتُوَّةِ. وَهُوَ بَقِيَّةُ الْكِرَامِ، وَتَلِيَّة الأَحْرَار، وَرَبِيب الْكَرَم، وَتَوْأَم النَّجَابَة وَصِنْو الْمُرُوءة، وَخُلاصَةُ الْحَسَبِ، وَعُصَارَة الْكَرَم. وَإِنِّي لَمْ أَرَ أَكْرَمَ مِنْهُ أَخْلاقاً، وَلا أَنْبَلَ فِطْرَة، وَلا أَطْيَبَ عُنْصُراً، وَلا أَخْلَصَ جَوْهَراً، كَأَنَّ أَخْلاقَهُ سُبِكَتْ مِنْ الذَّهَبِ الْمُصَفِّي، وَكَأَنَّ شَمَائِلَهُ عُصِرَتْ مَنْ قَطْر الْمُزْن.
وَتَقُولُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ: هُوَ لَئِيم الضَّرِيبَة، دَنِيء الْمَلَكَة، خَسِيس الشِّنْشِنَة، خَسِيس النَّفْسِ، صَغِير الْهِمَّة، سَافِل الطَّبْع، زَمِن الْمُرُوءة، لَئِيم الْحَسَبِ، جَعْد الْقَفَا، لَئِيم الْقَذَال، لَئِيم السِّبَال، دُونٌ، سَاقِطٌ، نَذْلٌ، رَذْل، فَسْل وَغْد وَغْب، وَغْل، رَضِيع، وَرَاضِع، وَهُوَ رَضِيعُ اللُّؤْم، وَلَئِيمٌ رَاضِعٌ. وَقَدْ تَبَرَّأَتْ مِنْهُ الْمُرُوءة، وَسُدَّتْ عَلَيْهِ طُرُق الْكَرَمِ، وَهُوَ بِطُرُق اللُّؤْم أَهْدَى مِنْ الْقَطَا.
وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِلُؤْمِهِ، وَخِسَّتِهِ، وَدَنَاءَتِهِ، وَسَفَالَتِهِ، وَنَذَالَتِهِ، وَرَذَالَتِهِ، وَفَسَالَتِهِ، وَوَغَادَتِهِ، وَرَضَاعَتِهِ. وَإِنَّهُ لَدَنِيء الأَصْلِ وَالْفَرْع، لَئِيم الْحَمْل وَالْوَضْع، وَقَدْ غُذِّيَ اللُّؤْمَ فِي اللَّبَنِ، وَدَبَّ فِي اللُّؤْمِ وَشَبَّ، وَإِنَّ اللُّؤْمَ حَشْو جِلْده، وَمِلْء ثِيَابِهِ، وَإِنَّ جِلْدَهُ لَيَنْضَح لُؤْماً، وَإِنَّهُ لَتَجْرِي عُصَارَة اللُّؤْم فِي دَمِهِ، وَإِنَّهُ لَيَرْعَف اللُّؤْمُ مِنْ أَنْفِهِ، وَيَمُجُّهُ مِنْ مَسَامِّهِ. وَهُوَ أَلأَمُ مِنْ أَسْلَم وَأَلأَمُ مِنْ مَاقِطْ وَأَلأَم مِنْ رَاضِع. وَفِي الْمَثَلِ لا يَعْجِزُ مَسْك السُّوء عَنْ عَرْف السُّوء يُضْرَبُ لِلرَّجُلِ اللَّئِيمِ يَكْتُمُ لُؤْمه جُهْده فَيَظْهَرُ فِي أَفْعَالِهِ.