موت اللغة العربية بين الحقيقة والخيال

    قال لي صاحبي ذو الثقافة الأجنبية: إن قناعتي بموت اللغة العربية أصبحت يقينا، ولا سيما بعد أن أصبحت اللغات الأخرى وخاصة الإنجليزية هي المهيمنة على الساحة، ولا أرى أن اللغة العربية ستثبت أمام ما تواجهه من تحديات، وكافيك أن اللغة الإنجليزية أصبت اللغة التي يتواصل بها الناس ذوو الجنسيات المختلفة؛ فإذا اجتمع صينيٌّ وهنديٌّ، فلا سبيل إلى التواصل بينهما إلا من خلال تلك اللغة الإنجليزية.

    فبادرت صاحبي المفتون بما يقوض دعائم زعمه، ويجعل قناعته غير مُقنعة: إن لغة ارتبط بقاؤها ببقاء دين قد تكفل الله بحفظه لَهِيَ اللغة الأَوْلى بأن تبقى أبد الدهر، ولهي الأجدر بأن تسود، وأن يكون لها الحل والعقد، وإن ما آلت إليه لغتنا العربية ليس من ضعف فيها، ولا أن غيرها أقوى منها، ولكن الضعف في أبنائها، وكلما كان ضعفهم في دينهم قويًّا كان ضعفهم في لغتهم والحفاظ عليها بقدر هذا الضعف.

https://www.youtube.com/watch?v=2Yr8IogtT8M

  وإن لغة قاومت عوادي الأيام، وثبتت أمام نوائب الدهر، وكانت صخرة لا تلين أمام عواصف التبديل والتغريب، إن لغة مثل تلك اللغة لهي الأحق، وإن قوة تلك اللغة مستمدة من عدة روافد لا تنقطع عنها أبدا وأذكر لك منها:

1- ارتباطها الوثيق بالدين؛ فالقرآن الكريم والحديث الشريف بتلك اللغة المباركة ولا تصح صلاة إنسان مهما كانت جنسيته لا تصح إلا بأن يقرأ باللغة العربية في صلاته، ولن يتمكن من فهم الدين إلا إذا تعلم العربية أو على الأقل تعلم بعضهم لنقل ذلك الدين إلى العامة، وتجد الإندونيسي والفلبيني المسلم يقرأ القرآن بالعربية ويتعلم بعض معانيه.

https://www.youtube.com/watch?v=T9jlwuCdOyg

2- اللغة العربية لغة ولادة، فهي لغة الاشتقاق وليست لغة النحت، فالنحت يستحدث ألفاظا ويقتل أخرى، لذلك تجد ألفاظا كانت مستخدمة في اللغة الإنجليزية_ مثلا_ في وقت من الأوقات ثم ماتت تلك الألفاظ مع مرور الأيام، ولكن اللغة العربية لغة ولادة فهي كالأم والولود؛ فمن لفظة واحدة تأتي بالعديد من المفردات التي تستخدم في سياقات مختلفة، وهذا يجعلها قادرة على أن تستوعب ما يمكن أن يستجد على الساحة من ألفاظ ومصطلحات.

3- التعريب: كل ما عرَبته العرب بألسنتها، فهو من كلام العرب.

التعريب هو إدخال ألفاظ أعجمية إلى اللغة العربية على نحو يتناسب مع خصائص اللغة العربية

 في عصر من العصور، قامت دعوات تحث المجامع اللغوية على ضرورة التعريب؛ لأننا أمام كم هائل من الألفاظ  الأجنبية التي وصلت إلينا من الحضارة الغربية، فإذا كان للفظة الأجنبية ما يقابها في لغتنا مثل: تليفون، تقابلها لفظة: هاتف. فهذه اللفظة لا يجوز تعريبها، لأن لها ما يقابلها، فالتعريب يكون للفظة التي لا مقابل لها في لغة العرب.

 وهناك العديد من المعاجم التي عُنيت بالألفاظ المعربة،

قال ابن جني رحمه الله تعالى:" باب في أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب " الخصائص 448 / 1 تحقيق محمد علي النجار، المكتبة التوفيقية

4- اللغة العربية تنفرد بظاهرة اختلاف المعاني حسب التراكيب السياقية النحوية، مما أنتج كمًّا هائلا من الألفاظ كالبحر الذي لا ساحل له، ولذلك قال الشافعي رحمه الله تعالى: "كلامُ العرب لا يحيطُ به إلاّ نبيٌّ"، وقد نقل السيوطي في كتابه المزهر عن ابن فارس قوله حول هذه العبارة: “وهذا كلام حَريٌّ أن يكوَن صحيحاً وما بَلَغَنا أن أحداً ممنْ مَضَى ادَّعى حفظَ اللغة كلّها"

هذا بعض ما تتميز به لغتنا العربية، وليست تلك دعوة مني إلى هجر تعلم اللغات الأخرى، ولكنه دعوة إلى مزيد من
الاهتمام بتلك اللغة العظيمة، إلى جانب تعلم اللغات الأخرى.

<script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-6492403081537639"

     crossorigin="anonymous"></script>



إرسال تعليق